الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقرأ أبو السَّمَّال: بفتحها وسُكُون السِّين تَخْفِيفًا، نحو: عَضْد في: عَضُد، وهي لُغَةُ تَمِيم، ويَجُوز «حُسْ»، بضم الحَاءِ وسُكُون السين، كأنهم نَقَلُوا حركة العَيْنِ إلى الفَاءِ بعد سَلْبِهَا حَرَكَتِها، وهذه لُغَة بَعْضِ «قَيْس»، وجعل الزَّمَخْشَرِيّ هذا من بَابِ التَّعَجُّيَّ؛ فإنه قال: فيه معنى التَّعَجُّب، كأنه قيل: وما أحْسَنُ أولَئِكَ رَفِيِقًا، ولاسْتِقْلاَلَه بمعنى التَّعَجُّب.وقُرئ: {وحَسْن} بسُكون السِّين؛ يقول المتعجب: حَسْنَ الوَجْهِ وَجْهُك، وحَسْنُ الوَجْه وجْهك بالفَتْح والضَّمِّ مع التَّسْكِين.قال أبو حَيَّان: وهو تَخْلِيط وتَرْكِيبُ مذْهب على مَذْهَبٍ، فنقول اخْتَلَفُوا في فِعْلٍ المراد به المَدْح. فذهب الفارسي وأكثر النُّحَاةِ: إلى جَوازِ إلْحَاقه ببَابِ نِعْم وبِئْسَ فقط، فلا يكُون فَاعِلُهِ إلا مَا يكُون فَاعِلًا لَهُمَا.وذهب الأخْفَش والمُبَرِّد إلى جَوازِ إلْحَاقِه بِبَابِ نَعْمَ وبِئْسَ، فيُجْعَل فَاعِله كَفَاعِلَهمَا، وذلك إذا لم يَدْخُلُه مَعْنَى التَّعَجُّب وإلى جَوَازَ إلْحَاقِه بَفِعْل التَّعَجُّب فلا يجري مُجْرَى نعم وبِئْس في الفَاعِل، ولا في بَقِيَّة أحْكَامِهما، فَتَقُول: لَضَرُبَتْ يدك ولضرُبَت اليَدْ، فأخذ التَّعَجُّبَ من مَذْهَب الأخْفَش، والتمثيل من مَذْهَب الفارسيّ، فلم يَتَّبع مَذْهَبًا من المَذْهَبَيْن، وأما جَعْله التَّسكِين والنَّقْل دلِيلًا على كَوْنِهِ مُسْتَقِلًا بالتَّعَجُّب، فغير مُسَلَّم؛ لأن الفَرَّاء حَكَى في ذلك لُغَةً في غير مَا يُرَادُ به التَّعَجُّب.والرَّفِيقُ في اللُّغَة مأخُوذ من الرِّفْق، وهو لينُ الجَانِبِ ولطافة الفِعْل، وصَاحِبه رَفِيقٌ، ثم الصَّاحِبُ يسمى رَفِيقًا؛ لارْتفَاقِكَ به وبِصُحْبَتِه، ومن هذا قِيل للجَمَاعة في السَّفَر: رُفْقَة؛ لارتفاق بَعْضِهِم بِبَعْض، والمَعْنَى: أن هَؤلاَءِ رُفَقَاء في الجَنَّة.قوله: {ذلك الفضل مِنَ الله} {ذَلِكَ} مُبْتَدأ، وفي الخَبَر وَجْهَان:أحدهما: أنه {الفضل} والجَار والمَجْرُور في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحَالِ، والعَامِلُ فيها مَعْنَى الإشَارَة.والثاني: أنه الجَارُّ، و{الفضل} صِفَة لاسْم الإشَارَة، ويجوز أن يكُون {الفضل} والجار بَعْدَه خَبَرَيْن لـ {ذَلِك} على رَأي من يجيزُه. اهـ. بتصرف.
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزل جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم...} الآية».وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق الشعبي عن ابن عباس «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أحبك حتى إني أذكرك، فلولا أني أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج، وأذكر أني إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة فيشق عليَّ وأحب أن أكون معك في الدرجة. فلم يرد عليه شيئًا، فأنزل الله: {ومن يطع الله والرسول...} الآية. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاها عليه».وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي «أن رجلًا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والله لأنت أحب إليَّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت. وبكى الأنصاري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أبكاك؟ فقال: ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين، ونحن إذا دخلنا الجنة كنا دونك. فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فأنزل الله على رسوله {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} إلى قوله: {عليمًا} فقال: أبشر يا أبا فلان».وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان ما لي أراك محزونًا؟ قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه! فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر في وجهك ونجالسك، غدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك. فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأتاه جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول} إلى قوله: {رفيقًا} قال: فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره».وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مسروق قال: «قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك.فأنزل الله: {ومن يطع الله والرسول...} الآية».وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: أتى فتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا نبي الله: إن لنا فيك نظرة في الدنيا، ويوم القيامة لا نراك لأنك في الجنة في الدرجات العلى. فأنزل الله: {ومن يطع الله...} الآية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت معي في الجنة إن شاء الله».وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالًا قالوا: هذا نبي الله نراه في الدنيا فأما في الآخرة فيرفع بفضله فلا نراه. فأنزل الله: {ومن يطع الله والرسول} إلى قوله: {رفيقًا}. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: قال ناس من الأنصار: يا رسول الله إذا أدخلك الله الجنة فكنت في أعلاها ونحن نشتاق إليك فكيف نصنع؟ فأنزل الله: {ومن يطع الله والرسول...} الآية. وأخرج ابن جرير عن الربيع، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن تبعه وصدقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضًا؟ فأنزل الله هذه الآية في ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه».وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل. فقلت: يا رسول الله أسالك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود».وأخرج أحمد عن عمرو بن مرة الجهني قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا- ونصب أصبعيه- ما لم يعق والديه».وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا إن شاء الله».وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجه عن عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي يمرض إلا خُيِّرَ بين الدنيا والآخرة»، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فعلمت أنه خيِّر.وأخرج ابن جرير عن المقداد قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم قلت في أزواجك «إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين. قال: من تعنون الصديقين؟ قلت: أولادنا الذين هلكوا صغارًا. قال: لا، ولكن الصديقين هم المصدقون». اهـ..التفسير الإشاري: قال النيسابوري:التأويل: الوجود المجازي أمانة من الله تعالى كما أنّ وجود الظل أمانة من الشمس فلا جرم إذا تجلت شمس الربوبية لظلال وجود النفس والقلب والروح يقول بلسان العزة: {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} فتلاشت الظلال واضحمحلّت الأغيار وانمحت الآثار وبقي الواحد القهار، وهذا أحد أسرار قوله: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: 15]. {وإذا حكمتم} بعد فناء الوجود المجازي وبقاء الوجود الحقيقي بين الروح والقلب والنفس أن تحكموا بآداب الطريقة فيراقب القلب شواهد اللقاء ويلازم الروح عقبة الفناء والسر وارد سلطان البقاء {يا أيها الذين آمنوا} الخطاب مع القلب ولاروح والسر فإنهم آمنوا على الحقيقة، وطاعة القلب لله أن يحب الله وحده، وطاعة الروح أن لا يلتفت إلى غيره، وطاعة السر أن لا يرى غيره في الوجود. أما الرسول فهو الرسول الوارد من الحق في الباطن كما قال صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد «استفت قلبك يا وابصة ولو أفتاك المفتون». {وأولي الأمر منكم} يعني مشايخكم ومن بيده أمر تربيتكم. {فإن تنازعتم في شيء} يعني منازعة النفس القلب والروح والسر فردوه إلى الكتاب والسنة أو يريد منازعة القلب فيما يحكم به الكتاب والسنّة نزاعًا من قصور الفهم والدراية {فردوه إلى الله} لمراقبة القلوب بشواهد الغيوب {وإلى رسول} وارد الحق بصدق النية وصفاء الطوية ذلك الإيمان الإيقاني بشهود النور الرباني خير من تعلم الكتاب والسنة بالتقليد دون التحقيق. ثم يخبر عن حال أهل القال المتحاكمين إلى طاغوت الهوى والخبال من أهل البدع والضلال بقوله: {ألم تر إلى الذين يزعمون} الآية. أصابتهم مصيبة ملامة من الخلق أو سياسة من السلطان. {فلا وربك لا يؤمنون} فيه أن الإيمان الحقيقي ليس بمجرد التصديق والإقرار ولكنه سيضرب على محك الاعتبار وهو تحكيم الشرع لا الطبع والنبوة لا البنوة والمولى لا الهوى ووارد الحق لا موارد الخلق فيما اختلفت آراؤهم وتحيّرت عقولهم: {ثم لا يجدوا} {في} مرآة {أنفسهم} صورة كراهة من القضاء الأزلي والأحكام الإلهية. والصديقين الذين لهم قدم صدق عند ربهم، والشهداء أهل الجهاد الأكبر، والصالحين الذين لهم صلوح الولاية {وحسن أولئك رفيقًا} في سلوك طريق الحق والله المستعان. اهـ..تفسير الآية رقم (71): قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما دل على درجة الشهادة بعد ما ذكر من ثواب من قبل موعظته ولو في قتل نفسه، وذم من أبى ذلك بعد ما حذر من الأعداء من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين المخادعين، فتوفرت دواعي الراغبين في المكارم على ارتقابها؛ التفت إلى المؤمنين ملذذًا لهم بحسن خطابه نادبًا إلى الجهاد مع الإرشاد إلى الاستعداد له مما يروع الأضداد، فقال سبحانه وتعالى- منبهًا بأداة البعد وصيغة المضي إلى أن الراسخ لا ينبغي له أن يحتاج إلى تنبيه على مثل هذا-: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان.ولما كان سبحانه وتعالى قد خلق للإنسان عقلًا يحمله على التيقظ والتحرز من الخوف، فكان كالآلة له، وكان- لما عنده من السهو والنسيان في غالب الأوقات- مهملًا له، فكان كأنه قد ترك آلة كانت منه؛ قال سبحانه وتعالى: {خذوا حذركم} أي من الأعداء الذين ذكرتهم لكم وحذرتكم منهم: المشاققين منهم والمنافقين {فانفروا} أي اخرجوا تصديقًا لما ادعيتم إلى جهادهم مسرعين {ثبات} أي جماعات متفرقين سرية في إثر سرية.لا تملوا ذلك أصلًا {أو انفروا جميعًا} أي عسكرًا واحدًا، ولا تخاذلوا تهلكوا، فكأنه قال: خففت عنكم قتل الأنفس على الصفة التي كتبتها على من قبلكم، ولم آمركم إلا بما تألفونه وتتمادحون به فيما بينكم وتذمون تاركه، من موارد القتال الذي هو مناهج الأبطال، ومشارع فحول الرجال، وجعلت للباقي منكم المحبوبين من الظفر وحل المغنم، وللماضي أحب المحبوب، وهو الدرجة التي ما بعدها إلا درجة النبوة، مع أنه لم ينقص من أجله شيء، ولو لم يقتل في ذلك السبيل المرضى لقتل في غيره في ذلك الوقت. اهـ.
|